منتديات بحر العجائب


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات بحر العجائب
منتديات بحر العجائب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مفهوم الصداقة عند أرسطو

اذهب الى الأسفل

مفهوم الصداقة عند أرسطو Empty مفهوم الصداقة عند أرسطو

مُساهمة من طرف المدير الإثنين نوفمبر 23, 2009 5:46 pm

مفهوم الصداقة عند أرسطو
أحمد أغبال
إن الأخلاق، كما يتصورها أرسطو، هي فن العيش الرغيد المحفوف بالسعادة.؛ ولا يتحقق رغد العيش والشعور بالسعادة إلا في جو من المحبة والألفة والصداقة الحميمة. إن الصداقة الحقيقية، في نظره، هي العنصر الحاسم في تشكل ما يسميه أرسطو بـ"الحياة الجيدة" أو الحياة الرغيدة، وهي السبيل الأمثل لتحقيق رفاهية الإنسان. كيف برر أرسطو أطروحته هذه؟ لماذا اعتبر الصداقة شرطا ضروريا لتحيق الرفاهية ورغد العيش؟
ترتكز فلسفة الأخلاق الأرسطية على فكرة مفادها أن مبدأ الأخلاق يوجد في الطبيعة الإنسانية وله علاقة بكنه التجارب الحياتية. والمقصود بالطبيعة الإنسانية هنا مجموعة من الخصائص الجوهرية الضرورية لوجود الإنسان. ومن المصادرات الأساسية التي ترتكز عليها نظريته في الأخلاق قوله: إن لكل شيء وظيفة، وأن سعادته تتحدد بمدى قدرته على أداء تلك الوظيفة بنجاح؛ تكمن وظيفته العازف، مثلا، في العزف على آلة ما، ويشعر بالسعادة إن هو أتقن العزف عليها. وهكذا، فإذا كان لابد أن تكون للإنسان وظيفة ما، فإن سعادته تتوقف على مدى نجاحه في أداء تلك الوظيفة. وإذا كان لكل كائن من الكائنات الموجودة في هذا العالم وظيفة تؤديها، فما هي الوظيفة التي يتميز بها الإنسان عن غيره؟ إنها وظيفة التفكير والتعقل وكل الوظائف التي تنشأ عن نشاط العقل. وهكذا، فإن الإنسان الفاضل هو الذي يهتدي في أفعاله وطريقة عيشه بنور العقل، ولابد لهذا الإنسان أن يعيش حياة سعيدة، لأنه يعرف ماذا يجب وماذا لا يجب عليه أن يفعل لتحقيق رفاهيته.
وإذا كان الخير الأسمى هو السعادة، كما يقول أرسطو، وكانت السعادة هي أسمى الفضائل الإنسانية كلها باعتبارها غاية في ذاتها، فأن بلوغها لا يتحقق إلا من خلال أداء الإنسان لوظائفه على أحسن وجه، ومعنى ذلك أن يعمل طبقا للفضيلة. يدل ذلك على أن السعادة كما يتصورها أرسطو ليست مثلا من المثل الأفلاطونية المجردة المتعالية عن ظروف الزمان والمكان، ولكنها شعور من المشاعر الإنسانية التي تتحقق من خلال العلاقات الإنسانية التي يقيمها الفرد مع غيره والأنشطة الاجتماعية التي يقوم بها. بحيث يمكن القول إن غاية كل علاقة إنسانية وكل نشاط اجتماعي هي تحقيق الرفاهية ورغد العيش طالما أن الإنسان يهتدي في كل ذلك بنور العقل. وتعتبر الصداقة الحميمة من الحاجات الإنسانية الضرورية لتحقيق حياة رغيدة مملوءة بالأفراح والمحبة والأمل.
يستعمل أرسطو مفهوم الصداقة philiaبالمعنى العام للكلمة، فهو يدل، من جهة، على علاقة التفاعل أو التجاذب المتبادل بين شخصين، ويدل من جهة أخرى على المعاشرة والرغبة في التعاون مع الغير في مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والتجارية والسياسية والأسرية... ومن هنا ميز أرسطو في الصداقة بين ثلاثة أنواع:
1. الصداقة المبنية على أساس المنفعة: تتحدد قيمتها في نظر الفرد بمقدار ما يمكن أن يجني مقابل ما يعطي؛
2. الصداقة من أجل المتعة: تتحدد قيمتها بدرجة الشعور بالأنس والبهجة عند الحديث مع الطرف الآخر؛
3. صداقة الناس الطيبين الذين يحبون بعضهم بعضا لأنهم طيبون.
يرى أرسطو أن صداقة المنفعة وصداقة المتعة يمثلان أنواع الصداقة غير الكاملة أو العرضية لأنها تخضع لتأثير الملابسات الظرفية، ولا تدوم إلا بدوام المنفعة أو المتعة. وأما صداقة الأخيار الذين يحب بعضهم بعضا لطيبوبتهم فهي صداقة الفضيلة التي هي أتم أنواع الصداقة لأن كل طرف يريد الخير للآخر ولا يقصد من وراء ذلك مصلحة خاصة، هذا بالإضافة إلى أن كل طرف يجلب المنفعة والمتعة للطرف الآخر من غير أن تكون المنفعة أو المتعة هي الهدف الأساسي المتوخى من الصداقة.
وعندما يقول أرسطو إن الصداقة ضرورية للحياة الخلقية الفاضلة، فإنه يقصد بذلك الصداقة الكاملة التي هي صداقة الفضيلة. وأما ما يجعل منها الشرط الضروري للحياة السعيدة فهي خصائصها التي تتجلى من خلال قدرتها على تنمية قدرتنا على التفكير والسلوك بطريقة عقلانية؛ ذلك لأننا نتعلم طرق التفكير والسلوك من الآخرين. ولما كان للتفكير والسلوك لا يطلبان لذاتهما، بل باعتبارهما وسائل لبلوغ الخير الأسمى المتمثل في السعادة، اعتبرت الصداقة الشرط الضروري لتحقيق السعادة. وتتجلى مظاهر الصداقة من خلال أشكال التفاعل التالية:
§ يريد الصديق الخير لصديقه ويعمل كل ما فيه خير من أجله.
§ يرغب الصديق في أن يعيش صديقه حياة كريمة، ويريد تحقيق ذلك من أجله.
§ يقضي الصديق وقتا مهما مع صديقه؛
§ يختار الصديق لنفسه ما يختار صديقه لنفسه؛
§ يشاطر الصديق أفراح وأتراح صديقه.
تلك هي مواصفات علاقة الصداقة في نظر أرسطو، وهي تؤشر على المودة والمحبة الخالصة. ولكن المبدأ الأساسي الذي يقف خلف مختلف أشكال التفاعل بين الأفراد هو مبدأ "حب الذات"؛ ومن هنا تأتي المصادرة الأساسية التي تقوم عليها نظرية الصداقة عند أرسطو وهي أن "حب الذات" يمثل مصدر الرغبة في تحقيق السعادة بواسطة الصداقة. ومما يترتب عن هذا المبدأ أن علاقتنا بأنفسنا تحدد علاقتنا مع غيرنا الذي يشبهنا. فإذا كان حب الذات هو الأساس، فإنه يجب أن يحب المرء لنفسه ما يحب لغيره باعتباره أنا آخر، أي مثيلا له.
وإذا كان الصديق "أنا آخر" حسب تعبير أرسطو فإنه من المنطقي أن يحب الصديق لصديقه ما نحب لنفسه. إن الصديق هو من يطلب الخير لغيره الذي يمثل صورته مثلما يطلبه لنفسه، ويريد لغيره السعادة مثلما يريدها لنفسه. من الواضح أن الصداقة من وجهة النظر الأرسطية لا تعني التضحية بالذات من أجل الغير، ولا تعني العناية بالغير على حساب العناية الذات، بل تدل على نوع من التماهي بين الأنا والغير؛ فحب الذات وحب الغير سيان في فلسفة أرسطو، وربما كان حب الغير من حب الذات عنده، وربما كانت الصداقة امتدادا لحب الذات. وهذا ما يدل عليه قوله إن الغير هو أنا آخر، ولذلك لزم التعامل معه مثلما نتعامل مع أنفسنا أو كما لو كان جزءا من ذواتنا. قد يأخذ عليه البعض وقوعه في نوع من النرجسية والأنانية التي تذهب إلى حد إسقاط الذات على الغير في محاولة لطمس هويته المتميزة وتذوبها في بوتقة الأنا ورغباته وانفعالاته. ويرد البعض الآخر على أن مفهوم "حب الذات" عند أرسطو إنما يصدر عن العقل العملي الذي يوجه حياة الإنسان وفقا لمبدأ الفضيلة، لا عن الانفعالات، ويرتبط بالرغبة في فعل الخير المتعالي عن المصالح الأنانية. إن حب الذات بهذا المعنى ضروري ومفيد للصداقة، لأن الفضيلة العقلية تقتضي أن تريد لصديقك ما تريد لنفسك، وأن توسع مجال مصلحتك بحيث تصبح معنيا بسعادة الغير باعتبارها مصدرا لسعادتك.
وهكذا، فإذا كان الإنسان يهتدي بنور العقل في علاقاته مع أصدقائه، فسيجد أن له مصلحة في سعادتهم. ولا يمكن أن يتحقق التماهي بين سعادة المرء وسعادة صديقة إلا إذا كان شخصا فاضلا، لان الإنسان الفاضل هو الذي يكون منسجما على الدوام مع نفسه ومع غيره ما دام العقل هو القاسم الأساسي المشترك بينهما. ولما كانت علاقة الصداقة مبنية على أساس عقلي، وليس على المزاج المتقلب والمنفعة، فسيكتب لها النجاح والثبات والاستمرار.
وإذا كانت الصداقة فضيلة من الفضائل التي تمكن الفرد من تحقيق السعادة التي يعتبرها أرسطو غاية في ذاتها، فهل يحتاج الإنسان الذي يغمره الشعور بالسعادة إلى الأصدقاء؟ سؤال فرض نفسه على أرسطو نفسه، ذلك لأن القول بأن السعادة هي الخير الأسمى يوحي بأن الشخص السعيد لم يعد في حاجة لأي شيء طالما أن الفضائل الخلقية ليست إلا وسائل وطرقا لبلوغ السعادة. ولكن أرسطو لم يقبل هذا الدليل بدعوى أنه لا يأخذ بعين الاعتبار الطبيعة الإنسانية: فالإنسان، حسب أرسطو، اجتماعي بطبعه، ولا يمكن بالتالي أن يعيش بمعزل عن الآخرين. إن الطبيعة الإنسانية تفرض على الإنسان أن يرتبط بغيره، ولما كانت الصداقة فضيلة من الفضائل الخلقية، وكانت أعظم نعمة من النعم التي ينالها الإنسان في حياته، فإن أحسن رابطة يمكن للشخص الفاضل أن يقيمها مع غيره هي رابطة الصداقة. ومن أدلته على ذلك أيضا قوله: إن من يكون محبا أفضل ممن يكون محبوبا، وأن من يعطي ويُمَتِعُ أفضل ممن يأخذ ويستمتع، لأن الفضيلة تكمن في الكرم والعطاء، وإنما يحتاج الإنسان إلى أصدقاء لتحقيق هذه الفضائل. وعلى الجانب الآخر، فإن الأصدقاء الطيبين يساعدون الشخص على تهذيب أخلاقياته ومزاجه، وتطوير قدراته الفكرية والعملية، والارتقاء في مراتب الكمال.
وإذا كانت الطبيعة الإنسانية تدفع كل فرد إلى إقامة علاقات مع الآخرين، فإنه من الأجدر بكل فرد أن يقيم علاقات طيبة مع غيره لبناء مجتمع يتيح لكل فرد إمكانية تطوير قدراته وتحقيق ذاته، ومن ثمة تحقيق سعادته. وأما الفرد الذي يعيش بمعزل عن الآخرين أو خارج المجتمع، فإنه لابد أن يفقد هويته الإنسانية. ولذلك فإن الوظيفة الأساسية التي يجب أن يؤديها كل فرد فهي تحقيق هويته الإنسانية من خلال العيش في وئام وانسجام مع الآخرين داخل المجتمع وخاصة مع الأصدقاء. ولكن، ليس باستطاعة الفرد، في نظر أرسطو، أن يوسع دائرة الصداقة لتشمل عددا كبيرا من أفراد المجتمع، ولا يستطيع أن يقيم علاقات الصداقة الحميمة الخالصة إلا مع عدد قليل منهم لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة حتى ولو كان جميع أفراد المجتمع مواطنين أفاضل.. وأما دليله على ذلك فهو أن من شروط الصداقة الخالصة الحميمة أن يقضي الفرد وقتا طويلا برفقة صديقه حتى يتعرف كل طرف على الطرف الآخر ويألفه من خلال مزالة نفس الأنشطة والتآزر والتعاون بينهما؛ ولا يسمح ضيق الوقت بقيام مثل هذا النوع من التفاعل المكثف والمستمر بين عدد كبير من أفراد المجتمع.
ولكن، ما الذي يجعل التفاعل مع الأصدقاء يحظى بمكانة الصدارة في أخلاق أرسطو مقارنة بالتفاعل من المواطنين على المستوى السياسي؟ لماذا لا يمكن للتفاعل مع المواطنين أن يحقق للمرء ما يحققه التفاعل مع الأصدقاء؟ لا يقدم لنا أرسطو جوابا مقنعا على هذه التساؤلات، ولكنه يؤمن بأن العمل من أجل تحقيق سعادة المجتمع أفضل من السعي إلى تحقيق سعادة فرد واحد، وأن مجال الحياة الشخصية لا يمثل المجال الوحيد والأمثل لتحقيق الفضيلة، ويؤمن أيضا بأن ضياع دائرة العلاقات البيشخصية يلحق الأذى بالفرد ويتسبب في شقائه، فالطفل يحتاج بالضرورة إلى أبويه مهما كان المجتمع فاضلا، وكذلك يحتاج الفرد لأصدقائه حتى ولو كان جميع المواطنين الذين يتفاعل معهم طيبون. ومهما كان من أمر ذلك كله، فإن الفرد الذي اكتسب روح المعاشرة الصادقة من خلال التفاعل مع الأصدقاء يكون أكثر قدرة على التفاعل الإيجابي مع المواطنين الآخرين. ولذلك تعتبر الصداقة فضيلة خلقية سامية، لأنها تساعدنا على العيش في انسجام ووئام مع الغير سواء كان قريبا أو بعيدا.
وخلاصة القول إن لمفهوم الصداقة لدى أرسطو دلالة أخلاقية واجتماعية من حيث أن مبدأها يرتبط بالطبيعة الإنسانية كما يتصورها، ومن حيث أنها تمثل أحد العناصر الأساسية التي تقوم عليها الحياة الفاضلة الرغيدة. وتكمن أهميتها أيضا في كونها تساعد على النمو الذاتي للشخص من التفاعل الإيجابي مع الغير الصديق
المدير
المدير
المدير

عدد المساهمات : 310
نقاط : 1912
تاريخ التسجيل : 05/06/2009
العمر : 34
الموقع : المغرب

https://arabh.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى